أساسيات في تنمية المهارة التربوية

أساسيات في تنمية المهارة التربوية
تاريخ النشر : 2024-06-24


تنمية المهارات الوالدية


إن تربية الأبناء ورعايتهم ليست بالمهمة السهلة والنجاح فيها إنما يتحقق بالصبر وبذل الجهد وهو توفيق وعون من الله أولا وأخيرا، وإذا كان لا بد للزرع من حرث وسقي وتفقد للغراس وإزالة لما يهددها من آفات فإن التربية ولا شك تتطلب مثل هذا وأكثر.

وتكتسب المهارات التربوية في عصرنا الحالي أهمية خاصة لما لها من دور في ظل الوسائط التربوية المتحدة التي تفننت بها وسائل الإعلام فلم يعد الأبوان والمحيطون بالأبناء من المربين وحدهم في الساحة التربوية فقد شاركتهم البرامج التلفزيونية والألعاب الألكترونية والأنظمة الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية توجيه الأبناء ووضعت الوالدين بذلك أمام تحد كبير يستلزم اهتماما أكبر واستعدادا أوسع، ولعل موضوعنا في المهارات الوالدية يكون عونا على تحقيق هذا الاستعداد.

المهارات الوالدية تنشأ من اتباع نمط معين من أساليب التربية ، قد تكون هي ذات الأساليب التي استخدمها أبواك ، وقد تختار نمطا مميزا خاصا بك؛ ومن الأمور التي من شأنها أن تساعدك على تكوين نمطك التربوي ما يلي:

1. أن يكون لك قراءات في موضوعات التربية (كتب، مجلات تربوية).

2. مناقشة الموضوعات والمواقف التربوية مع من حولك من المربين .

3. الاشتراك في مجموعات على الشبكة العنكبوتية ، والتسجيل في المواقع التي تقدم المعلومات والاستشارات التربوية .

4. الاتفاق بين الوالدين على أسس مشتركة.

وبعد تحديد نمطك التربوي ضع أهدافك التي تطمح أن تحققها في أبنائك ثم وجه اهتمامك إلى اكتساب المهارات الوالدية التي تعد الأساليب المباشرة لتحديد شكل العلاقة بينك وبين أبنائك وفيما يلي توضيح لأبرز المهارات الوالدية التي ينبغي أن تكون هدفا لأي مرب يطمح :

  • تحديد التوقعات كثيرا ما تكون توقعات الوالدين من الأبناء هي السبب في حدوث السلوكيات المشكلة لدى الأبناء. ومن هنا فمن الضروري قبل التركيز على السلوك المزعج لدى الطفل أن تركز الاهتمام على تحديد التوقعات والذي يمكن أن يتم من خلال المراحل التالية :

أولا : وضع استراتيجية تعتمد على خلفية الأبوين وأهدافهم التربوية من ناحية وخصائص الأبناء وطبائعهم المختلفة من ناحية أخرى. ولابد هنا من توضيح ثلاثة أمور ضرورية لنتمكن من تحديد توقعات تتميز بالقابلية للتحقيق:

أ- توضيح التوقعات للأبناء : "سنذهب إلى السوق لشراء بعض الأغراض لا يسعنا الوقوف في محل الألعاب ولن نتمكن من المرور على كشك الايسكريم ولعلنا نفعل ذلك في مرة قادمة، أما اليوم فأتوقع أن تساعدني في سرعة انتقاء ما نحتاجه من فاكهة وخضار".

ب- التحقق من فهم الأبناء لما يتوقع منهم؛ " ستخرج اليوم مع أصدقاءك، نحن متفقون على موعد العودة للبيت و هو....؟ يسأل الوالد الابن ، ويؤكد أن الالتزام بالتوقعات مهم للحصول على الإذن بالخروج في المرات القادمة.

ت- هل السلوك المطلوب يدخل ضمن قدرات الطفل؟ لا بد أن تتحدد التوقعات في ظل خصائص الأبناء ومرحلتهم العمرية لقد رأيت إحدى الأمهات في الحرم النبوي مع طفلة في عامها الثاني كان المشهد أمامي طفلة صغيرة تتوق إلى القيام والتجول والاستكشاف لما حولها وأم تمسك بيد الطفلة بقبضة حديدية لتبقى بجانبها دون حراك، مما أثار ضيق الطفلة وصراخها ، وتوتر الأم وانفعالها، من غير الواقعي أن نتوقع من طفلة في عامها الثاني أن تجلس بجانب والدتها بهدوء لمدة تزيد عن خمس دقائق. وقد كان من المفترض أن توفر للطفلة وسائل لشغل وقتها ، وأن يكون الوقت محدودا بشكل يتناسب مع عمر الطفلة.

ثانيا : التعبير عن التوقعات بالكلمات والأفضل من ذلك أن يعبر عنها بتمثيل الدور ومن أطرف الأساليب في ذلك ما خبرته عن الوالد يرحمه الله حيث كان يجعل من يديه شخصيتين تمثلان وتلعبان دورا لتوضيح السلوك المراد فاليد اليمنى تمثل شخصية تتصرف بشكل إيجابي يحقق التوقعات واليد اليسرى تمثل الشخصية التي تتصرف بشكل سلبي، ويتم عرض الموضوع المراد توضيحه، وأفضل أساليب توضيح التوقعات ما يكون بالسلوك الفعلي والقدوة التي يقدمها الأبوان من خلال تصرفهما في المواقف ، فكل سلوك أو تصرف يراه الأبناء منك يتم إدخاله إلى برنامجهم السلوكي حتى يصبح جزءا من منظومة تصرفاتهم وأخلاقهم.

ثالثا: أن تطرح التوقعات في اجتماع عائلي تخرج فيه الأسرة للغداء والحديث عن التوقعات الخاصة بالأسرة والاتفاق على الالتزام بها ، فنوضح لأبنائنا السلوكيات التي ينبغي أن يقللون منها والسلوكيات التي ينبغي أن يزيدون منها.

  • التوجيه : لن أذكر التوجيه في اللغة والاصطلاح ولكن سأقول بشكل إجرائي إن التوجيه يعني أن تكون موجودا عندما يحار الأبناء ويبحثون عن المعلومات والأجوبة ، ومعنى أن تكون موجودا أي تكون قلبا مفتوحا متقبلا ، وصدرا رحبا يرحب باحتياجاتهم ويوجه خطاهم ، لا تترك هذه المهمة لغيرك لا أن يكون لكل واحد من أبنائك نصيبا من وقتك بحسب أعمارهم وبحسب احتياجاتهم، تتلمس توجهاتهم وترقب نموهم وتوفر لهم ما يحتاجون من معلومات وخبرات .

  • الدعم والتشجيع : يؤدي التشجيع أكبر الأثر في إشعار الابن بأنه قادر على فعل ما هو أفضل ، على عكس النقد فالطبيعة البشرية ترفض النقد وتعلق في وجهه منافذ الاستجابة فلو أخذنا مثالا أحد الأبناء يكثر من الألفاظ السيئة فإذا كنت تستخدم أسلوب النقد واللوم فستقول له : "ما أسوأ ما تستعمل من ألفاظ ألا تعرف كيف تنتقي ألفاظك ؟ هكذا أنت دائما ستكون بهذا الخلق بعيدا عن قلوب الناس ..." وإذا كنت تتبع أسلوب التشجيع فستقول له: " أتذكر عندما بدأك فلان وأغلظ لك القول ومع ذلك لم يستطع إخراجك عن أدبك ، أعتقد أنك تستطيع انتقاء وضبط تصرفاتك إذا أردت". وهكذا حتى لو كانت تلك المواقف الإيجابية نادرة وقليلة من الخير استغلالها في تذكر ابنك بقدرته على الانضباط ، فتذكيره بالأخطاء وبأنها تتكرر منه باستمرار تشعره بأنه في غاية السوء وبأن حاله ميئوس منه فلا يتحمس للتغيير. ومن التطبيقات المهمة في هذا الإطار وضع نظام مكافأة للطفل لتعزيز ودعم السلوكيات الإيجابية نظام النجوم ) وضع لوحة لمكافأة الطفل بنجمة على كل تصرف إيجابي ) أو غيره من الأنظمة بحيث يستغل الموقف لتقديم مكافأة مباشرة معنوية أو مادية فهو من أقوى العوامل لتثبيت السلوك الإيجابي.

  • التركيز على الأولويات: بإعداد الأبناء للحياة وأهم جوانب هذا الإعداد تنمية تحمل المسؤولية ، ويتم بتدريبه على مهام ومسؤوليات تتناسب مع عمره منذ طفولته المبكرة وتشجيعه ودعمه لإتمام المهام وتحمل أعبائها، ومن الوسائل التي يمكن استخدامها أن يتولى العناية بحيوان أليف ، أن يعنى بترتيب سفرة العشاء أو غير ذلك من المهام، لا بد أن يتم هذا وفق متابعة واهتمام وإتاحة لقرص للتعلم من الأخطاء وعدم إحاطة الطفل بسياج من الحماية يتمثل في المبادرة بتقديم المساعدة خوفا من الوقوع في الخطأ.

  • المشاركة في الاهتمامات: كن مستعدا لمشاركتهم اهتماماتهم وأشعرهم بتقديرك لها، ولا تقلل من شأنها مهما بدت لك صغيرة فهي منطلق مهم للدخول إلى عالمهم وفهم تصرفاتهم واستثارة تعاونهم، فقد جسد لنا الحبيب هذا المعنى في مشاركته الطفل الصغير الذي كان مغرما بطائر صغير معه فكان كلما رأه أشعره بأنه يشاركه اهتمامه بسؤاله" "يا عمير ما فعل النخير" ، وكثيرا ما تجد طفلا قد أخذ جانبا وأخذ يرقب من حوله بحذر فإذا أقبلت عليه وقد عرفت أنه مهتم بالسيارات مثلا وسألته "هل شاهدت السيارة الهمر التي كانت تسير في الطريق اليوم؟ " فكثيرا ما يكون هذا السؤال كافيا لكي يتهلل وجهه ويقبل عليك وقد أحس أنك تتكلم بلغته التي يحبها ويفهمها.

  • الرفق: في الحديث الشريف "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه" ولكي نتمكن من تطبيق الرفق في تعاملاتنا مع الأبناء فإننا نحتاج إلى أن نضبط أنفسنا ونهدأ أولا ، فالأبناء أثناء نشأتهم يمرون بحالات من العناد ، والتمرد، ومقابلة ذلك بالثورة والتوتر يفقد الآباء القدرة على التصرف السليم، ولا بد أن يهيئ المربي نفسه ويوطنها على التزام الهدوء، ويحدد لها حدودا لا تتجاوزها في ردود الأفعال، ومن المفيد ممارسة التفكير الإيجابي الذي ينظر إلى تصرفات الأبناء على أنها تصرفات طبيعية تحدث من جميع الأطفال وتهدف إلى التعلم وتحتاج من إلى التوجيه والتدريب بدلا من اعتبارها تطاولا وتحديا لإرادة الأبوين ، وإذا حدث وانسقت وراء غضبك، وخرجت إلى فعل ما تندم عليه فلا بد من توطين النفس على الاعتذار لتحديل الرسالة التي ينقلها تصرفك إلى الأبناء .

  • الثبات: كل الأساليب التربوية لا تجدي نفعا ما لم يكن هناك ثبات في التطبيق ، لا بد أن تكون ثابتا فيما تأمر به وما تنهى عنه وما تعاقب عليه، فعدم الثبات يعطي للطفل رسائل متضادة فعندما نسمح للطفل بالتأخر اليوم ، وننهاه عنه في الغد فإننا نهدم ما بنيناه من نظام .

وأخيرا فالتربية اليوم لم يعد بالإمكان ترك أمرها لمواهب الوالدين وإمكاناتهم بل لا بد من تأهيل وإعداد لاكتساب المهارات الوالدية التي تعين الآباء على أداء دورهم التربوي بكفاءة ، فالثمرة ليست هيئة إنها جيل المستقبل الواعد.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

                                                        مستشارة الأسرة والطفل

 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة