القيم كيف نغرسها في أبنائنا

القيم كيف نغرسها في أبنائنا
تاريخ النشر : 2024-06-24


القيم كيف نغرسها في أبنائنا


في اليوم الوطني احتفل فريق من أبناء وطننا بشكل فوضوي وعاثوا فسادا في ممتلكات بلدهم الحبيب، وفي كل يوم نرى من السلوكيات ما يحيرنا .. الأماكن العامة والطرقات تصدمنا بمناظر النفايات التي يلقيها أصحابها من نوافذ السيارات، أو يتركونها في المنتزهات .. يوقفون سياراتهم أمام المتاجر فيحتجزون سيارات الآخرين أو يعيقون حركة السير، وقد يغضبون إذا اعترض أحد على تصرفهم !!! يمر الناس ببعضهم البعض فلا تكاد ترى الابتسامة ولا التحية إلا ممن تعرفه ..

نتساءل ونتلفت بحثا عن أجوبة باتت ملحة ، أين الخلل؟ لماذا يتصرف الناس في مجتمعنا الإسلامي خلافا لما نؤمن به وننادي به من قيم؟ تبهرنا مجتمعات نراها تطبق قيم ديننا أكثر منا .. لماذا نجد ما يسرنا من المعرفة بمفردات القيم ومعانيها وما يسوؤنا من التصرفات البعيدة عنها .

من أين نبدأ لإيجاد الحل؟. دعونا ندخل قليلا إلى عالم القيم.

تقوم فكرة القيم على إعطاء قيمة للأشياء والأفكار والسلوكيات وعندما تنمو فإنها تحدد تفضيلات الأشخاص وما يحرصون على الالتزام به وتحدد مفاهيم الحق والصواب والعدل والجمال، وتربط السلوكيات بالمشاعر والأفكار.

وتعمل القيم كمحكات لتحديد الخيارات في المواقف :

ماهو الأفضل في هذا الموقف؟

ماهو الأجدى نفعا ؟

ماهو الأصوب؟

الإجابة على هذه الأسئلة في المواقف التي يمر بها الأفراد هي التي تحدد قيم الشخص.

وللقيم تصنيف باعتبار جهة التعامل يمكن إجمالها في أربعة النحو التالي:

أنا وأنا: وتتضمن الصفات التي يمارسها الشخص وحده دون حاجة إلى الآخرين؛ مثل: النظافة ، الكرامة، الاجتهاد ، المثابرة ، الثبات ، الشجاعة ، الاعتماد على النفس، التميز ، الأمل، التأمل.

أنا وأنت: وتتضمن الصفات التي تتطلب التفاعل بين اثنين؛ مثل الاحترام، الطاعة ، التواضع ، التسامح.

أنا والمجتمع: صفات تتضمن تفاعل مع عدد أكبر من الأفراد، مثل: التعاطف ، العدل ، السلام ، الحوار، التعاون.

أنا و خالقي: وتتضمن الصفات التي يتعامل بها الفرد مع خالقه، مثل : العبادة، الامتنان، الإخلاص، مشاهدة الآلاء والنعم.

وللقيم خصائص مهمة لا بد من أخذها في الاعتبار إن أردنا أن نعمل على تنميتها، وتتمثل في أنها:

  • تغرس في وقت مبكر من العمر

  • مقاومة للتغيير.

  • تغرس بواسطة الأشخاص الذين نتعامل معهم بشكل مباشر ويشكلون أهمية بالنسبة لنا وأولهم الآباء والمعلمون.

  • تكتسب من خلال النموذج والقدوة، وليس من خلال القول والتلقين.

لا شك أن سلوكنا داخل الأسرة هو الصورة المصغرة للقيم. ومن ثم فإذا أردنا أن نبني قيم أبنائنا لا بد أن نعيد للأسرة دورها في نمذجة القيم، و أن لا يشعر الأبناء أن هناك فجوة بين ما يتعلمونه ومايرونه من سلوكيات المقربين إليهم ، كنت مع أبنائي في أحد المراكز التجارية وكانت هناك بعض الفعاليات للأطفال ووقفت ابنتي في الطابور تنتظر دورها فرأيت عجبا؛ أب يهمس في أذن ابنته بأن تذهب إلى أول الطابور وتتحايل لتندس متخطية الآخرين، ويرقبها على بعد مشجعا بابتسامة داعمه، وأم ترفع الحاجز لتمر ابنتها إلى المقدمة دور اعتبار للمنتظرين. هؤلاء لا يدركون حجم الخسارة القيمية التي يسببونها لأبنائهم. ولووقفنا نحلل هذا الموقف لنعرف ماهي القيم التي تنهار تحت هذه التصرفات لوجدنا أن أبرزها: الصبر؛ فكأنهم يعلمون أبناءهم أن لا يصبروا حين يبدوا الطريق طويلا لتحقيق مبتغاهم، احترام الآخرين؛ وكأنهم يعلمونهم أن لا يقيموا وزنا لأولئك الذين يقفون بانتظار دورهم، العدل؛ كأنهم يدربون أبناءهم على أخذ ماليس لهم وهو هنا دور غيرهم والتسبب في تعطيل مصالح الناس، الإحساس بالآخرين: كأنهم يشعرون أبناءهم أن المهم هو ذواتهم وأن لا يلتفتوا إلى الآخرين ومشاعرهم وحقوقهم.

ومن أهم الجوانب التي ينبغي التركيز عليها في غرس القيم:

  • القدوة فالقيم كما ذكرنا لا تكتسب بالتلقين.

  • قراءة السيرة النبوية والقرآن الكريم ومحاورة الأبناء في مضامينها، بالأمس كنت أقرأ مع أبنائي سورة الكهف ومررنا بقصة موسى والخضر ووقفنا على أدب موسى واعتذاره عن عدم تمكنه من الصبر على المواقف الغريبة التي كان يشهدها "لا تؤاخذني بما نسيت..."

  • التأكيد على تحمل مسؤولية الأخطاء ومحاسبة الأبناء على ذلك .

  • استخدام الأحداث والمواقف اليومية لمناقشة الأبناء ، ماذا لو كنت مكان فلان في حالات تمثل تطبيقات سلوكية للقيم، واستخدام المواقف الشخصية لنقد الذات ومناقشة الصواب والخطأ والأفضل في جو من الشفافية والاعتراف بالخطأ في حالة التسرع أو التجاوز في التعامل مع المواقف.

  • تدريب الأبناء على الصبر وتحدي الصعوبات: وذلك من خلال التدريب على أنهاء المهام التي بدؤها، وتصحيح الأخطاء التي ارتكبوها.

  • تدريب الأبناء على تقديم الخدمات ومساعدة الآخرين، وإدخال السرور عليهم .. مثل مصادقة تلميذ جديد لا يعرف المدرسة أو خجول، فتح الباب لمن خلفه وخاصة للكبار والمحتاجين ممن يدفع عربة أو يحمل أغراضا، ولو أمكن زيارة بعض المرضى في المستشفيات أو دور المسنين فسيكون ذلك من الأمور التي تحفز بالفعل روح الإحساس بالآخرين والتعاون معهم.

  • الانتباه لما يشاهده أبناؤنا في التلفاز والانترنت: فقد أصبحت أكثر الوسائل المؤثرة في قيم الأبناء، لا بد من الانتقاء ولا بد من تقليل أوقات المشاهدة إلى أقل ما يمكن، لا بد أن تكون المشاهدة في مكان مفتوح وعدم وجود أجهزة خاصة في الغرف أو أماكن بعيدة في المنزل، احتفظ بأجهزة الكمبيوتر كلها في غرفة واحدة ، ونعمل معا في أوقات معينة ثم ينتهي الوقت المتاح للكمبيوتر لينطلق الأبناء إلى أعمال أخرى.

  • الاحتفاء بالسلوك الجيد من الأبناء وإشعارهم بالاهتمام عندما يقومون بسلوكيات جيدة من الأمور التي لا بد منها إن أردنا أن نرى السلوم يتكرر مرارا حتى يثبت ويستمر، " لقد كنت لطيفا مع ابن الجيران.. تحدثت مع الحارس باحترام ..أعجبتني مبادرتك بحمل الطفل الذي وقع من دراجته ومساعدته .. كنت في قمة السعادة وأنا أرقبك تلعب مع أختك بهدوء وتفاهم".

وتبرز أهمية غرس القيم في عصرنا المنفتح على العالم وعلى التكنولوجيا فمن شأن القيم أن توجد نظام فلترة تعمل على تصفية ما يقبل مما يرفض ويترك ، لن نكون دائما بجانب أبنائنا وهم يجدون الأجهزة الألكترونية في كل مكان؛ في البيوت ومحلات الألعاب والنوادي والمقاهي، لا بد من محكات داخلية يحتكمون إليها، إن التواصل مع الأبناء والحوار هو بيت القصيد في تنمية القيم فمن خلاله ينمو شعور الأبناء بالاحترام لأنفسهم وللآخرين وحب العدل والخير لكل الناس، يجب على الآباء أن لا يتركون مشاغل الحياة تأخذهم بعيدا عن أبنائهم، لابد من تحديد أوقات دائمة يومية ومشاركة الأبناء في الأعمال والمهام فمن خلال هذا التفاعل تترسخ القيم .


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل  



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة