الثواب أم العقاب في تهذيب الأبناء

الثواب أم العقاب في تهذيب الأبناء
تاريخ النشر : 2024-06-24



الثواب أم العقاب


كنت في السوق واستوقفني صوت صفعة هوت بها إحدى الأمهات على قفا ابنها، وكان ذنبه أنه حاول استكشاف سلة المهملات ذات السطح المنزلق الذي يتأرجح يمينا وشمالا إذا ضغطت على أحد طرفيه ، لم تتكلم الأم كلمة واحدة قبل ولا بعد الصفعة ، وكذلك الابن كل ما فعله أن انكمش على نفسه ثم أكمل سيرة وكأنه قد اعتاد على ذلك، حتى سألت نفسي هل أصبحت هذه لغة التفاهم التي تستخدمها هذه الأم مع ابنها؟.

لماذا فعلت الأم ذلك ؟ مالنتيجة التي تريد أن تحققها من ذلك ؟

لاشك أن الأم أرادت تهذيب سلوك ابنها، فهل وفقت في ذلك؟ مالذي يحققه العقاب البدني؟ وما البديل كيف يتعلم الأبناء السلوكيات المرغوبة ويكفون عن السلوكيات غير المرغوبة ؟

متى نعتبر سلوك الابن مشكل يحتاج إلى تعديل ؟ لابد من النظر إلى سن الابن ، وشخصيته ، ومستوى نضجه فلكل سن خصائص ومطالب تصاغ في ضوئها التوقعات، وكثيرا ما يتوقع الآباء من أبنائهم سلوكيات تفوق عمرهم ونضجهم، ويحاسبونهم على سلوكيات تعتبر عادية ومتوقعة في مثل عمرهم ، ففي الموقف المذكور يميل الطفل السوي إلى استكشاف الاشياء الجديدة من حوله وتفحصها بيده ، وكان على الأم فقط أن تعطي الطفل بعض الحقائق عن سلة المهملات وأنها غير نظيفة وتوضح له استخداماتها، وتعطيه الفرصة ليجربها بأن يلقي فيها منديلا مثلا ليشبع فضوله ورغبته في الاستكشاف. إن الصفعة التي تلقاها الابن لم تعلمه شيئا غير أنه سيئ وأنه ارتكب خطأ عليه أن لا يكرره.


ويؤكد الباحثون في مجال سلوك الأبناء وأساليب تقويمه أن الثواب أقوى من العقاب في اكتساب السلوكيات الجيدة والتخلص من السلوكيات السيئة، وتزداد قيمة الثواب وفاعليته مع الأطفال الأصغر سنا ففي دراسة أجريت على عينات من الأطفال في سن 8 - 9 سنوات وفي سن 11 - 12 أظهرت المجسات الخاصة بتخطيط المخ ازدياد النشاط الناتج عن الثواب لدى المجموعة الأصغر سنا وحماسهم لتكرار السلوك المرغوب.

ماذا لو تعمد الابن تكرار السلوك السلبي ولم يبال بتكرار العقاب ؟ كثيرا ما ينصح الخبراء باستخدام التجاهل لتعديل السلوكيات غير المرغوبة، ويلقى التجاهل اعتراضا من بعض الآباء ويرون فيه تعارضا من مهمتهم في تصحيح السلوك ويعتبرونه بمثابة تقبل للسلوك وسكوت عنه.

هناك مقولة كثيرا ما أذكرها في استشاراتي التربوية - توضح فاعلية التجاهل - " تنتهي التمثيلية عندما ينصرف الجمهور" وذلك أن الانتباه لسلوك الطفل - ولو كان بالعقاب - يجعل الطفل يشعر بأهمية السلوك عند الأبوين وأنه فعال في جلب اهتمامهما. بينما يفوّت التجاهل هذه الفرصة .

يعد الاهتمام شكلا من أشكال الثواب، والتجاهل شكلا من أشكال العقاب، ويمكن للآباء استخدام هذا الأسلوب الفعال في تعزيز السلوكيات الإيجابية وتقليل السلوكيات السلبية فيوجهون اهتمامهم حين يحسن الأبناء التصرف ، ويصرفون اهتمامهم حين يسيؤون .

كيفية استخدام فنية التجاهل:

  • أن يكون التجاهل كاملا ،بمعنى أن لا ننظر إلى الابن ولا نقول شيئا أثناء حدوث السلوك، حتى النظر بخفية أو التبسم أو التجهم كلها يجب أن تجتنب، وإذا قالت الأم أنا لا أرى ماذا تفعل فقد أعطته انتباها.

  • البدء بالتجاهل عندما يبدأ السلوك والتوقف بعد توقفه بقليل.

  • إذا واجه المربي صعوبة في التجاهل .. فعليه أن يشغل نفسه بأمر ما ليساعد نفسه على تطبيق التجاهل بشكل فعال.

ولاستخدام فن التجاهل لتعديل سلوك الأبناء شروط من أهمها :

  • القدرة على استخدام التجاهل بطريقة فعالة، فبعض الآباء لا يحسنون استخدام هذا النوع من الأساليب التربوية، لعدم قدرتهم على الصمود أمام نوبات الغضب والصراخ التي من الممكن أن تتفاقم في بداية التجاهل قبل أن تخفت تدريجيا ، فالطفل الذي يصرخ ليصطحبه والده معه في كل مرة يخرج فيها سيبكي كثيرا قبل أن يعلم أن بكاءه لا يجدي شيئا ولا يثير انتباه والديه .

  • معرفة السلوكيات التي يصلح معها التجاهل ، فلا يصلح التجاهل مع السلوكيات التي تتضمن تخريبا أو خطورة أو أذى.

  • التحقق من إمكانية المربي في استمرار التجاهل في حالة تزايد السلوك ، فإذا كان الابن قد تعود أن يبكي ليحصل على ما يريد ، هل يمكنك الصمود والاستمرار في سماع البكاء حتى يتعب الطفل منه ويعلم أنك لن تستجيب مهما كان الأمر، لأن ضعف الآباء عن المقاومة والاستجابة للطفل والانتباه لطلبه قبل اكتمال المهمة من الممكن أن يزيد المشكلة تفاقما ويعطي للطفل نفَسا أطول في الصمود لتحقيق ما يريد لعلمه أن المربي لن يصمد طويلا.

  • إمكانية تجاهل السلوك في كل مكان ، فإن لم يكن ذلك ممكنا فمن الممكن أن يستغل الطفل ذلك ويقوم بالسلوك في الأماكن التي لا تستطيع أن تتجاهله فيها.

  • أن يكون التجاهل جماعيا في الأسرة فلا يجدي أن يتجاهل شخص وينتبه آخر.

إن خيار العقاب البدني هو أسوأ الخيارات في تهذيب الاطفال ، فالعقاب البدني قد يوقف السلوك لبعض الوقت ، ولكنه لا يدفع الأبناء إلى السلوك الصحيح ، والثواب والمكافأة والثناء عندما تنصب على السلوكيات الإيجابية يزيد من ميل الطفل إلى تكرارها ، وتعد فنية التجاهل من الأساليب التربوية الفعالة لمواجهة السلوكيات الصعبة التي من الممكن أن يؤدي استمراها إلى توتر الآباء وانفعالهم وقيامهم بالإساءة إلى الأبناء.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل   



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة