التربية الإيمانية للطفل

التربية الإيمانية للطفل
تاريخ النشر : 2024-06-24


مهارات تربوية

التربية الإيمانية للأبناء


يستغرق اهتمامنا بأطفالنا الكثير من جهدنا؛ فنختار لهم أفضل المدارس ، ونقدم لهم أفضل رعاية صحية، ونأخذهم إلى أمهر الأطباء ، ونجلب لهم خير ما قدمت التكنولوجيا الحديثة من برامج وألعاب ، ويحاول كثير منا أن يكون الوالد المثالي الذي يقدم لأبنائه كل ما يحتاجونه للنجاح في حياتهم ؛ ولكن علينا أن نتساءل ماذا عن التربية الإيمانية هل تلقى منا ما تستحقه من العناية ؟ هل يدرك الآباء متى وكيف يبدؤون بتقديم هذا النوع من الرعاية ؟ 

لقد تطورت المعرفة التربوية والنفسية وأصبحنا نعرف الكثير عن نمو أبناءنا من النواحي النفسية والاجتماعية والعقلية والجسمية وما يستلزمه من الرعاية ، إلا أن الحقائق العلمية حول التربية الإيمانية والنمو الروحي لا تزال دون المستوى المطلوب ، ومن هنا يجدر بنا أن نبدأ بتقديم بعض الحقائق حول طبيعة النمو الروحي في الطفولة قبل أن ننتقل إلى الأساليب الممكن اتباعها لرعاية هذا النمو. ومن أبرز هذه الحقائق أن الله تعالى قد أودع في الإنسان خصائص هي بمثابة المادة الخام لتلقي التربية الإيمانية ، مثل الانبهار بالموجودات والرغبة في تأملها ومعرفة مصدرها ، والحاجة إلى الأمن ومعرفة الملجأ من كل ما يخيف أو يؤذي.

 ونلاحظ أن الأطفال منذ بداية حياتهم ينظرون بدهشة إلى كل ما حولهم وفي نهاية عامهم الثاني عندما تنمو مهاراتهم اللغوية يظهر ذلك في تعبيراتهم اللفظية ، وقد مررت بموقف طريف في أحد الأيام فبينما كنت أسير في سوق مزدحم إذ استرعى انتباهي صوت طفل يصيح مناديا أمه بنبرة تعجب واستغراب قائلا لأمه : ماما ، ماما قولي سبحان الله يكررها بصوت عال ، وسمعت الأم تقول له : يا سبحان الله ، التفت يدفعني الفضول لرؤية الشيء العجيب الذي أثار عجب الطفل فإذا هو يشير إلى سيارة حمراء جديدة لونها جميل ، قد لا تكون من عجائب الدنيا بالنسبة للكبار ولكنها كذلك بالنسبة لطفل في الثالثة . ويظهر الأطفال في عمر ٤-٥ سنوات اهتماما بالنواحي الغيبية فيسألون عن الله ، وعن الحياة والموت ؛ " لماذا يميت الله الناس؟ " " أمي متى تموتين؟ " تساءلت ابنتي في عامها الرابع ، لم تكن خائفة علي من الموت ولكنها كانت تريد أن تعرف عن الموت ، هذه الصفة التي يتميز بها الأطفال في بداية حياتهم هي التي تجعل الطفولة المبكرة مرحلة مهمة جدا في رعاية النمو الروحي وفرصة ذهبية للاهتمام بالتربية الإيمانية . فالمادية التي طغت على أسلوب الحياة تجذبنا إلى مسارها وكلما كبر الأبناء كلما ازداد استغراقهم في دراستهم وأصدقائهم وبرامج التلفاز والكمبيوتر والألعاب وتصفح الشبكة العنكبوتية وغيرها من ملهيات الحياة اليومية ؛ وفي سن المراهقة حين يطرد النمو العقلي وتتسع مدارك الطفل وتنمو مهارات التفكير يتطلع إلى معرفة الحكمة الكامنة وراء الأمور التي كان وهو صغير يتقبلها كمسلمات وعندها تزداد حاجة المراهق إلى التربية الإيمانية التي تخاطب عقله المتفتح وتستوعب تساؤلاته الجريئة فإن لم يجد هذا النوع من الرعاية فقد تتحول تساؤلاته إلى حيرة وشك ، فتتأزم نفسه ويشعر بالذنب نتيجة شكوكه وحيرته .

وقد هيا الله لنا مواسم عظيمة لنتوقف فيها من لهاث الدنيا ونلتفت إلى أرواحنا ونعطيها نصيبا من الاهتمام فيعد شهر رمضان ومن بعده موسم الحج فرصة ذهبية لتعليم الأبناء وتدريبهم على السلوكيات التي تبني قواعد الإيمان في نفوسهم وتؤسس دعائمها في قلوبهم ، بما تتضمنه من أجواء روحانية تبعثها الصلوات والصيام والأذكار والصدقات في شهر رمضان ، ثم تأتي بعدها مناسك الحج وأجوائه ، فطوبى لمن استغل هذه المواسم واستثمرها في التقرب من الله ووقاية نفسه وأهله من جفاف الروح وما يجره على الإنسان من نكد العيش رغم كل مقومات السعادة المادية.

ومن فاته ذلك في المواسم العظيمة ففي كل جمعة بل في كل يوم وساعة للمسلم فرص سانحة ومواقف مناسبة تتطلب يقظة ورغبة في تلبية تطلعات الروح ، ومن الأساليب المهمة في التربية الإيمانية :

1. التبكير بالاهتمام بالجانب الروحي فمن التوجيهات الإسلامية الأذان في أذن المولود، وتلقينه كلمة التوحيد عند أول نطقه مما يدلنا على أن منافذ التلقي لدى الطفل تتفتح منذ بداية حياته وإن كنا لا ندرك طبيعة التأثير الذي يحدث في المراحل المبكرة .

2. التدريب على التفكر والتأمل في مخلوقات الله ومن الأساليب المعينة : أن لا تكون مجالات الترفيه عن الأطفال مقصورة على الملاهي والألعاب فلا بد من الاهتمام بالطبيعة ومافيها من جمال.

  • الالتفات إلى ما يعج به العالم من حولنا من جمال : ألوان الورود ، جمال القمر ، مناغاة الأطفال ، عبير الزهر ، موج البحر ، رمال الصحراء . 

  • الخروج مع الأبناء لسماع تسبيح العصافير في الصباح الباكر أو ساعة الغروب ، فمن خلالها يتعلمون أن الكون كل مترابط يسبح بحمد الله.

  • الاهتمام بتنمية الذوق والفن وممارستها مع الأبناء وتزويدهم بما يشجعهم على الاستمتاع بها من رسم أو قراءة بعض الأشعار أو الأناشيد البسيطة في ضوء القمر ، فصاحب الذوق الرفيع والحس الفني هو الذي يستطيع تمييز الجمال ويمكنه الاستمتاع به.

3. تأسيس عقيدة الطفل من خلال ربط أركان الإيمان بالحياة اليومية ، ويمكن الاستعانة بالأساليب التالية :

  • تعريفه بالله سبحانه وتعالى من خلال أسمائه وصفاته فعندما نرى الابن يحضن أخاه ويقبله نقول له : أثرى كيف تحب أخاك الله يحبك أكثر مما تحبه" ، وعندما يطلب تقديم طعاما لهرة جائعة ، نذكره بأن الله تعالى أرحم الراحمين .

  • مراقبة الله ، واستشعار قربه ومعيته وأنه يرانا في كل مكان " حتى عندما نأكل الحلوى خلف الباب" " وعندما نتصفح الانترنت خلف أجهزة الكمبيوتر، و نؤكد على أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لتكون لهم وازعا في مختلف المجالات التي كثر خبثها في هذه الأيام .

  • استشعار وجود ملائكة الليل والنهار ، لحراستنا وكتابة أعمالنا ، والدعاء لنا .

  • الحديث عن اليوم الآخر والتركيز على وصف الجنة وتقريبها لهم بحسب أعمارهم فالجنة فيها حلوى وألعاب وكل ما يذكره الطفل من المحبوبات لديه ، والحذر من تخويف الأطفال الصغار بالنار أو قول إذا فعلت ذلك فإن الله يضعك في النار" فإنه يعطي نتائج عكسية .

  • الاهتمام بالنية والقصد من وراء الأعمال التي نقوم بها (لماذا نقدم هدية ، لماذا نأكل ، نخرج للنزهة ، نصبر على المرض ).

4. مساعدة الأبناء على إدراك هويتهم وانتماؤهم وطبيعة الحياة من حولهم ، وذلك بتنمية اعتزازهم بدينهم وقراءة سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء ، وإطلاعهم على أبرز الأخبار والتعرف على أحوال المسلمين في أنحاء العالم ، وتأمل الأحداث اليومية التي يمرون بها ويمكن الجلوس معهم في بعض الأمسيات ليتذكر كل واحد حدثا أو موقفا يسره، وآخر يأسف له، وثالثا يتمنى أن يحققه في الغد ، ويمكن أن يتم ذلك في خيمة تنصب في الحديقة أو في السطح فمثل هذه الترتيبات تجذب الأبناء وتجعلهم يقبلون ويشاركون.

5. غرس الخشوع والمحبة والعبودية لله رب العالمين ومن الأساليب المعينة على ذلك :

  • ربط كل جميل بالله تعالى وتوجيه الطفل إلى تسبيح الله وذكره فأصل الإبداع من الله سبحانه وتعالى بديع السموات والأرض.

  • إظهار مشاعر الخشية والبكاء، وعدم إخفائها عن الطفل.

  • تشجيع الأبناء على المشاركة في العبادات ، كالصيام لفترات من الوقت بحسب أعمارهم وحالتهم الصحية ، وتوفير شرشف صلاة جميل للطفلة ، ووضع الطفل الصغير في الحضن عند قراءة أذكار المساء ليسمعها ، مع توضيح أن الحفظ والحماية من الله وأنه معنا أينما كنا لينمو في نفسه الشعور بالأمن الذي يعد القاعدة التي تبنى عليها الشخصية السوية .

  • غرس الافتقار إلى الله تعالى في كل أمر (وتوجيه الطفل إلى دعائه والاستعانة به) "هيا نجمع هذه الألعاب ولنطلب العون من الله أولا لتسهل علينا المهمة" .

وأخيرا فإن تنمية الجانب الروحي والتربية الإيمانية تتطلب مزيجا من العلم والسلوك، فلا بد من إعطاء الأبناء المعلومات التي تساعدهم على حب الله ومعرفته وخشيته ، ثم تدريبهم على تطبيقها بممارسة العبادات والتفكر في خلق السماوات، وإذا أردنا لهذه الجهود أن تثمر فلابد أن نكون قدوة لأبنائنا وأن لا نفتاً ندعو الله أن يحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، والله الهادي ومنه التوفيق.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل  



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة