فهم الفروق الفردية

فهم الفروق الفردية
تاريخ النشر : 2024-06-25


مهارات تربوية


ما الذي يجب أن يعرفه الآباء عن الفروق الفردية بين الأبناء ؟

كثيرا ما تسأل الأمهات عن سبب تفاوت الخصائص بين الأبناء : لماذا تبدو ابنتي مختلفة تماما عن أختها رغم أن أسلوب التربية واحد ؟ هذه خجولة جدا وتلك منطلقة اجتماعيا تشارك في الأنشطة المدرسية وتحسن التفاعل مع الناس في المناسبات والمواقف الاجتماعية، وتسأل أخرى أتعجب من ضعف مهارة ابني في القراءة فأخته التي تصغره بعامين دراسيين تجيد القراءة أفضل منه .

فروق في المهارات العقلية والاجتماعية والانفعالية ، وفروق بين الجنسين ، لابد أن يدركها الآباء ويعلمون أن المقارنة بين الأبناء تشبه قولنا لماذا تختلف الروتانا عن السكرية أليس كلاهما من ثمر النخيل؟

اقتضت حكمة الله تعالى أن يولد الأطفال مزودون بخصائص شخصية تختلف كما تختلف الأصناف من كل جنس بل أكثر فهناك عوامل عدة تشترك في تأثيرها على النمو بأشكاله المختلفة الجسمي والاجتماعي والانفعالي والعقلي ، ويعتقد معظم الآباء أن الخصائص الشخصية تتحدد من خلال البيئة خلافا للخصائص الجسمية التي تلعب الوراثة فيها الدور الأكبر ، ولذا من المهم التأكيد على أن شخصية الأبناء تتأثر بالوراثة أيضا من خلال ما ترثه من استعداد يشكل التربة الخصبة لظهور أنماط سلوكية وخصائص تختلف بين الأبناء رغم البيئة والتربية الواحدة.

يرث الأبناء من خلال المورثات الجينية و منظومة الغدد التي يولدون بها الاستعداد لخصائص وسلوكيات معينة، فقد تبين أن هناك فروقا بين الأطفال حديثي الولادة لا يمكن إرجاعها إلى البيئة :

  • الإحساس والتكيف : حيث تختلف استجابات الأطفال للمس والأصوات، وتختلف قدرتهم على التلاؤم مع الظروف الجديدة كالمدرسة مثلا.

  • النشاط العام وحدة الطبع أو سهولته.

وهناك ثلاثة أنماط تميز بين الأطفال وتبدو واضحة منذ الأسابيع الأولى من العمر:

▪ الطفل السهل :يأكل وينام بانتظام ، ويتميز بسرعة التكيف مع المأكولات والخبرات الجدية.

▪ بطيء الفاعلية :يميل إلى الانسحاب عندما يتعرض لخبرة جديدة ويظهر درجة منخفضة من النشاط .

▪ نمط الطفل الصعب : لا ينتظم في الأكل والنوم ويتكيفون ببطء مع الخبرات الجديدة ، وتتميز ردود أفعالهم بالعنف ، وتزداد لديهم ثورات الغضب .

▪ أما بقية الأطفال فهم يظهرون مزيجا من الأنماط الثلاثة .

فالشخصية وما تتضمنه من أنماط سلوكية،هي حصيلة التفاعل بين العوامل الوراثية والعوامل البيئية ، و قد تعطي الخصائص الوراثية نتائج مختلفة تحت ظروف بيئية مختلفة.

  • فالطفل السهل مهيئ للتوافق مع المواقف والأشخاص بسهولة ولكن الظروف الأسرية الصعبة يمكن أن تلحق ضررا بقدرته على التوافق .

  • والطفل الصعب استعداده للتوافق أ قل ولكن الأجواء الأسرية المتماسكة والدافئة تمكنه من تخطي كثير من عقبات التوافق .

وعلى صعيد الاختلاف بين الجنسين من الأبناء والبنات أذكر بعض أمثلة على هذه الفروق لتكون حافزا لنا للتعرف على الفروق الفردية ومراعاتها في تعاملنا مع الأبناء، ويمكن تقسيمها على النحو التالي:

  • فروق في الخصائص العقلية : تشير الدراسات إلى أن القدرة اللغوية من بين القدرات العقلية هي التي تم إثباتها كإحدى الفروق الواضحة بين الأبناء والبنات ، فقد تبين أنها لدى البنات أسرع تطورا إذ تظهر القدرات اللغوية لديهن مبكرة عنها في الأبناء وتنمو بشكل أسرع ، مما يفسر التفاوت في القدرة على التعبير أو القراءة أو نحوها من المهارات اللغوية.

  • فروق في الخصائص الاجتماعية: لكل من الأبناء والبنات نمط سلوكي مختلف في المواقف الاجتماعية وإذا استعرضنا النتائج التالية التي أوضحتها بعض الدراسات تتضح لنا بعض جوانب هذا الاختلاف ففي دراسة تمت لرصد السلوك الاجتماعي في مواقف اللعب تبين أن البنات يلعبن في مجموعات صغيرة مع التأكيد على روح التعاون والحرص على تجنب العدوان بينما يلعب الأولاد في مجموعات أكبر ويؤكدون روح المنافسة ويفخرون بالاستقلال والخشونة ، وعندما يصاب أحد المشاركين في اللعب في مجموعة البنات يتوقف اللعب ويتجه إلى مواساة المصابة ومساعدتها، أما مجموعة الأولاد فلا تضطرهم المواساة إلى إيقاف اللعب، مما يفسر شكوى كثير من الأمهات من قلة سلوك التعاطف الذي يبديه كثير من الأبناء ، وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن معظم الأولاد لا يقدرون على اصطناع الضحك في الموقف التي تتطلب ذلك ، خلافا للبنات فبإمكان كثير منهن أن يفعل ذلك، مما يؤكد تفوقهن في المشاركة الوجدانية عندما يتطلبها الموقف.

  • فروق في الخصائص الانفعالية: يقاوم الأبناء ويصرون على ممارسة السلوكيات الاستقلالية حتى لو تطلب ذلك المواجهة، بينما تضطر الفتيات إلى التنازل عن بعض الأنشطة الاستقلالية حفاظا على العلاقة، وفي المواقف الانفعالية المؤثرة تحتاج البنات لمن يتحدث مع هن ، ويحتاج الأولاد لمن يعطي هم مساحة من الخصوصية، فقد يأتي الابن من المدرسة وقد بدا عليه الانفعال والتوتر فنلح عليه بالسؤال ونتوقع منه أن يحكي لنا كل ما حصل فور سؤالنا عن ذلك، يحتاج أبنائنا إلى أن نمهلهم حتى يصبحوا متقبلين لحكاية الموقف 

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الفروق تعميمية في الغالب لاتنطبق على كل الحالات .

من خلال ما سبق تتضح أهمية وعي الأبوين بالفروق الفردية بين الأبناء لضمان تربية سليمة، ويمكن تلخيص ما يتطلبه هذا الوعي في أمرين مهمين لا بد من مراعاتهما في ممارساتنا التربوية، وهما:

▪ تشجيع الاختلاف وعدم المقارنة بين الأبناء من نفس الجنس أو من الجنسين ، فلا ينب غي أن تؤدي أساليبنا إلى ما يشجع على التقليد من مثل بعض التعبيرات الشائعة "افعل مثل "فلان" ، أو "أنت الآن مثل فلان"، والأولى أن يشجع الأبناء ضمن إمكاناتهم وقدراتهم الشخصية.

▪ تحديد توقعات في ضوء الفروق الفردية فلا نبني آمالا وطموحا متماثلة بين الأبناء ، فقد ضرب الله تعالى لنا مثلا من نفسه في قوله "لا تكلف نفس إلا وسعها" فالعدل يقتضي عدم توقع فعل لا يقع ضمن إمكانيات وقدرات الأبناء.

وأخيرا .. علينا نحن المربين أن ندرك أن الاختلاف سنة من سنن الله تعالى في خلقة وهو الذي يعطي الحياة ثراءها وتنوع أدوارها ، وأن نبذل ما في وسعنا لاستثمار هذا الاختلاف وتنمية ما يتطلبه من خصائص متمايزة بين الأبناء، لتنمو المواهب والقدرات على أفضل صورة.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل   



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة