تعليم الأبناء أساسيات اختيار الأصدقاء

تعليم الأبناء أساسيات اختيار الأصدقاء
تاريخ النشر : 2024-06-24


مهارات تربوية

اختيار الأصدقاء مهارة تحتاج إلى تدريب


يقول الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانا خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِ كْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي {الفرقان: 27 - 29 }.

وفي الحديث: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبًا، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة. متفق عليه.

، وفي الحديث أيضا: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه الترمذي وحسَّنه .

لو تأملنا مدلولات هذه النصوص العظيمة لوجدنا فيها توجيهات قوية تدل على أثر الصداقة وعظيم خطرها ، وكما نقول دائما "الصاحب ساحب" ونقول أيضا " من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم" فمهما بذلنا من جهود في تربية أبنائنا على القيم وفضائل الأخلاق فهناك عنصر منافس في التربية له دور كبير في تعزيز جهودنا أو معارضتها ألا وهو الصديق ، وذلك من خلال ما نسميه بالتعلم غير المقصود فالصحبة والمخالطة سبب في انتقال الأخلاق والصفات الشخصية شئنا أم أبينا، فإذا أردنا لجهودنا التربوية أن تثمر فلا بد من العناية بهذا الجانب . والسؤال هو ما الدور التربوي الذي على الآباء القيام به في قضية اختيار الأصدقاء ؟

هل نتولى زمام الموضوع ونحكم السيطرة بحيث لا يصاحب أبناؤنا إلا من نرشحه لهم ؟

يتمثل الدور التربوي في تحديد الأسس التي يتم وفقها اختيار الأصدقاء وتدريب الأبناء عليها منذ الصغر . و ملاحظة علاقات الصداقة التي يقيمها الأبناء وتوجيهها بالأساليب المناسبة . لا بد أن نعلمهم الأسس ونمكنهم من معايشة خبرات الاختيار، ولكن قبل أن نناقش الأساليب الممكنة لتدريب الأبناء على اختيار الأصدقاء من المستحسن أن نشير إلى بعض الجوانب التي تعد تحديات لا بد من أخذها في الحسبان:

  • مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة تعد فترة حرجة حيث يتطلع الأبناء فيها إلى القبول الاجتماعي الذي تبذله جماعات الرفاق، ويحاولون التطابق مع أقرانهم لتحقيق ذلك ، كما تكثر مغامراتهم وأنشطتهم الاستقلالية، ومن ثم يواجهون الضبط والقيود الوالدية الناتجة عن خوف الآباء وحرصهم على سلامة تربيتهم، وهنا نخشى على العلاقة مع الأبناء أن تصل إلى حد رفض التوجيهات والتمرد.

  • تأثير المدارس وما يمضيه الأبناء من أوقات مطولة تتراوح بين ست إلى سبع ساعات مع أصدقائهم دون رعاية تربوية تذكر، مما يتطلب من الآباء مضاعفة الجهد والوقت اللازم لمواجهة هذه المؤثرات المنافسة .

  • قضاء وقت كاف مع الأبناء : يفضل كثير من الآباء قضاء معظم أوقاتهم في اهتمامات شخصية ليس من بينها قضاء وقت مثمر مع الأبناء ، والحقيقة أن التربية المثمرة تتم من خلال المواقف الحياتية المشتركة، عند الخروج للمشي سويا أو الاستذكار ، أو في جلسات الشاي الأسرية ، فلا بد أن يهتم الوالدين بتهيئة مثل هذه الأوقات ليتمكنا من تقوية العلاقة بالأبناء وتقويم سلوكهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه من آداب وأخلاق ومهارات.

  • اتجاهات الأباء وأساليبهم التربوية : لا يهتم كثير من الآباء بالطريقة التي يعالجون بها المواقف التربوية والتي من الممكن أن تؤدي إلى فقدان الاتصال الصحيح بالأبناء وضعف القدرة على التأثير في سلوكهم، فلابد من مناقشة الأبناء بطريقة تشعرهم بالتقدير والحب والبعد عن التعبيرات والأساليب التي تحمل معنى الاتهام ، والتعريض بأصدقائهم والمبالغة في تهويل الأخطاء وخاصة مع الأبناء الأكبر سنا.

  • الحذر من أن يؤدي بنا استعراض خصائص الأفراد ومناقشة صفاتهم بطريقة غير مقصودة إلى بث شيء من الغرور والتعالي والتصدر للحكم على الناس وتصنيفهم ، فلا بد أن يتم بحكمة .

وتتمثل أهم الأساليب التي يمكن أن نتبعها في تدريب الأبناء على اختيار الأصدقاء في مساعدتهم على تحديد الصفات التي ينبغي البحث عنها في انتقاء الأصدقاء، والتي تتمثل في جانبين أساسيين:

o نمط السلوك بشكل عام هل يتفق مع تعاليم الإسلام ، فالمسلم لا ينبغي أن يخالط من يتنافى سلوكه مع الإسلام وأخلاقه.، هل الإنسان مؤمن صادق العقيدة فهناك المشككون الذين يتخبطون في عقيدتهم.، وهؤلاء خطرهم بالغ لما يبثونه من شبهات.

o هل هو من النوع المخلص الذي يمكن الاطمئنان إليه والثقة به أم من الممكن أن يطعن في الظهر ويتنكر لأصدقائه في المحنة أن الشدة .

o كلام الشخص وتوجهاته وأفعاله. وقديما قالت العرب : المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه (الطيلسان هو الرداء الخارجي). ومن ثم فإن ما نعلمه لأبنائنا عند اختيار الصديق:أن ينتبهوا إلى الأساليب الكلامية التي تظهر في حديث الشخص : كيف يعبر عن الآخرين ، هل يغتاب هل يمشي بالنميمة ، فهذه آفات كبيرة لا يكمن ضررها في انتقال هذه الصفات فقط بل أيضا في الوقوع ضحيتها. هل هو من النوع المداهن المجامل الذي يسعى للوصول إلى مصالحه عن طريق إطراء الناس واستمالة قلوبهم ليتمكن بعد ذلك من تحقيق مآربه، فينبغي الحذر والابتعاد من مثل هؤلاء ،وتدريب الأبناء على البحث عن الشخص المخلص النزيه الذي يتصف بكرم الأخلاق وصدق الإخاء.

o الغضب وسرعة الاستثارة فمصاحبة مثل هؤلاء الأشخاص تعدي وتؤذي.

o هل الشخص مادي يتطلع إ لى ما في أيدي الآخرين ويرغب ف ي استلاف أغراضهم أو طلب تملكها، وخطورة مرافقة هؤلاء إما أن تعدي من يصاحبهم أو تجعله ضحية لاستغلال مثل هذا النوع من الناس.

o هل يظهر التعصب والتمييز ضد الآخرين في كلامه وأفعاله.

o هل هو من النوع الذي يبحث عن الشهوات ويجتهد في استكشافها ، من خلال المجلات والقصص والصور وهؤلاء ممكن أن يمتد خطرهم للتحرش.

o هل هو من النوع الاستبدادي المتسلط الذي يريد أن تكون الأمور على هواه دائما، والذي يعدل قوانين اللعبة دائما ليكون هو الرابح.، مثل هؤلاء لا يصلحوا أن يكونوا أصدقاء .

يتساءل بعض المربون ماذا لو اختار أبنائي أصدقاء غير مناسبين ؟ والحل يبدأ من دعوتهم إلى المنزل والتعرف عليهم

 ✓  إذا كان الأبناء كثيرا ما يختارون الأصدقاء الخطأ فاحرص على التقرب إليهم أكثر وأجتهد في منحهم التقدير والمشاركة للتقليل من بحثهم عن ذلك لدى الأصدقاء، وليقبلوا اقتراحاتك للصداقات التي يعقدونها.

✓ يمكن أن نحدد مع لأبنائنا قائمة بسمات الأشخاص الذين يصلحون كأصدقاء وهنا قائمة حددها أحد المربين تتمثل فيها أبرز الصفات التي تدل على ما تنطوي عليه شخصية الفرد من الكرم والرحمة والإخلاص والانضباط .. ، يمكن أن تبدأ بها:

▪ لا يستغلون قوتهم في مضايقة الآخرين والاعتداء عليهم .

▪ يتميزون بالرفق بالحيوان ، والرحمة بالصغار.

▪ يعاملون الآخرين باحترام.

▪ يشجعك ويدعمك ويفرح لفوزك أو نيلك درجة عالية أو تحقيقك لهدف تطمح إليه .

▪ يتجنبون الغيبة ويذكرون الآخرين بالخير في غيبتهم.

▪ يتبعون الأنظمة ، ولا يجرونك إلى مخالفتها ، أو يشجعونك على الكذب والغش ، وغيرها من التصرفات الخاطئة التي تضر بك وبالآخرين .

 ✓  يتم تعليم الأبناء هذه الأمور وفقا للمرحلة العمرية للأبناء.

✓ ومن خلال : تحين الفرص التربوية لمناقشة هذه الصفات ، فعندما يعود الأبناء بقصص من المدرسة ويروون المواقف وما يقوم به بعض الطلاب من عدوان عندها يمكن أن يوجه لهم أسئلة عن تصورهم لمشاعر الأطراف المختلفة ، وما الذي على الصديق المخلص أن يفعله في مثل هذه المواقف لصديقه، ما الذي يمكن فعله لمنع العدوان من أن يقع على طالب آخر.

✓ اجعل الابن يتحدث عن الناس الذين يستمتع بصحبتهم ما الذي يعجبه من صفاتهم ، مالذي يجعل صحبة هؤلاء الأشخاص ممتعة .

✓ شجع على مشاركة الأبناء بسرد مواقف وحكايات عن الأصدقاء المخلصين.

توجيهات عامة

✓ انتبه للطريقة التي تعامل بها أصدقاءك فالطفل يتعلم بالقدوة.

✓ ساعد الأبناء الذي يشتكون من عدم وجود أصدقاء ووفر لهم فرص التعرف على أصدقاء باصطحابهم في زيارات أو إشراكهم في نواد أو نحوها . ولكن لا تتوقع أن يستمتع ابنك باللعب مع أبناء أصدقاءك إن لم يشأ ذلك ، فالأرواح جنود مجندة .

✓ اجعل منزلك مريحا لحضور أصدقاء أبناءك ووفر وسائل الترفيه المناسبة لشغل أوقاتهم فيما هو مفيد.ولا تقلق على عدد أصدقاء الأبناء فهناك من يفضل صديقا وفيا واحدا وهناك من يفضل أن يكون مع مجموعة.

✓ إذا دخل ابنك في مشاجرة مع زميل له وجاء ليحكي لك فاستمع باهتمام وشاركه وجدانيا، ولا تستخدم التوجيه حتى تهدأ الانفعالات ، ويجب أن يتم بطريقة هادئة استدراجه إلى تحديد الخطأ وتقويم الموقف، وأشعره بالثقة في التصرف في المواقف .

✓ الأخذ بأسباب الصلاح إن كنا نريد الأصدقاء الصالحين: فأن الصفات الشخصية التي نتحلى بها هي التي تجذب الأصدقاء لنا، فالأشخاص المؤدبون ينجذبون لمن يجدون فيه الأدب ، ولا ينجذب الصالحون إلا إلى الصالح وعلى ذلك فلا بد من أن يعي الأبناء أنه ليس كل من نتعامل معه وتجمعنا به مجالات الدراسة أو الأنشطة يصلح صديقا فمن الناس من هو فاسق شرير وإن كان يظهر مهارة في الكلام وبراعة في تنميق الألفاظ وهذا النوع علينا أن نتعامل معه وفق الحاجة : لا بد أن نعي ونجعل أبناءنا يدركون أن هذه المبادئ لا تعني أن علينا أن نقاطع أو نعادي من لا يظهرون السلوكيات الصالحة التي نتطلبها في الصديق ، بل علينا أن نتعامل معهم ونحسن إليهم.


وأخيرا فإن تدريب الأبناء على اختيار الأصدقاء أمر ضروري ، وجزء مهم من مسؤليتنا تجاههم، وحماية لهم مما تجره رفقة السوء ، وقدوتنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين وجه الصحابة من خلال حديث الجليس الصالح والجليس السوء.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل  



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة