تعليم الطفل المبادرة

تعليم الطفل المبادرة
تاريخ النشر : 2024-06-25


تعليم الطفل المبادرة


نتطلع إلى نهضة أمتنا .. نتمنى أن يكون أبناؤنا في الطليعة .. أن يكونوا ممن يبادر لفعل الخير ، فهناك أناس كثيرون يحبون الخير ويساندون فاعليه وهم على استعداد لتنفيذ ما يطلب منهم من تكاليف في سبيل ذلك ولكن الذين يخطون الخطو الأولى ويضعون اللبنة الأولى قليل ، نريد لأبنائنا أن لا يقفوا بانتظار التكليف ، وأن لا يتلفتوا بحثا عن التوجيه متسائلين : ما المطلوب في موقف كهذا ؟ ماذا علينا أن نعمل ؟ نريدهم أن ينتهزوا الفرص السانحة ، والمواقف العابرة ليقدموا اقتراحاتهم ، ويطرحوا أفكارهم ، ويشاركوا بآرائهم ، فكثيرا ما تقف الأفكار والأعمال والجهود عند نطاق تفكير أصحابها .

كيف تنشأ روح المبادرة ؟ أهي جبلة يجبل عليها أصحابها أم صفة يكتسبونها ؟

قد تظهر المبادرة دون تدخل تربوي مقصود ، كما يمكن للمربي أن ينميها لدى النشء. وتتفاوت الأجواء أسرية في الدور الذي تؤديه في هذا الشأن بين مشجعة على المبادرة وأخرى نمطية روتينية يتحرك فيها الأبناء بالريموت ، وثالثة فوضوية محبطة لا يتحرك فيها أحد حيث لا حدود ولا تعليمات بل تفريط وإفراط ونقد ولوم .

و تبدي لنا مواقف الحياة اليومية ما يمتلكه الأفراد من هذه الصفة التي يجب أن نستثمرها ونتعاهدها بالتعزيز إن ظهرت ملامحها في سلوك الأبناء ، ونعمل على تكوينها والتدريب عليها إن عز وجودها في تصرفاتهم . وسأذكر اثنين من المواقف التي يكثر مرورنا بها ، الأول : عندما كنا في مجلس وبينما كنت أتحدث مع جارتي إذ جاء ابنها مسرعا ومندفعا إلى حجرها فانسكب كوب العصير عليها وعلى الأرض ، قفزت أخته ليلى (۱۳ سنة) مسرعة لإحضار علبة المناديل ثم حملت أخاها إلى المغسلة ؛ فعلت ليلى ذلك من تلقاء نفسها دون طلب أو تكليف . مالذي حرك ليلى ؟

والثاني : حين دخلت الخالة الكبيرة إلى المجلس متأخرة وتلفتت بحثا عن مكان تجلس فيه وبقيت تنتظر فترة بينما جلست فتيات صغيرات يتجاذبن أطراف الحديث دون أن تتحرك أي منهن لتقدم مكانا للخالة الواقفة انتبهت إحدى الأمهات وقامت مرحبة تدعو الخالة للجلوس في مكانها، ما الذي قعد بأولئك الفتيات عن القيام بما يقتضيه الموقف ؟

لاشك أن توفر عنصر المبادرة في الموقف الأول واختفاءه في الموقف الثاني هو العامل خلف اختلاف السلوك في الموقفين ، فما هي المبادرة ؟ إنها تعني : المسارعة عند ظهور الحاجة أو عندما تلوح الفرصة لعمل ينفع صاحبه أو غيره من الناس ، دون انتظار تقدم الآخرين ، ودون تردد وتخوف من مغبات الريادة ومتطلباتها و تنطلق المبادرة من الشعور بالمسؤولية والرغبة في تحقيق الخير للذات أو للآخرين ، والشعور بالأهلية للقيام بذلك.

وإذا أردنا أن نقيم أجواء أسرية تتيح لعنصر المبادرة أن يظهر فلا بد من مراعاة عدة أمور لعل من أهمها :

✓ تنمية الشعور بالمسؤولية ، ومن سبل ذلك توزيع مهام وأدوار ثابتة للأبناء لخدمة الأسرة ، واستشارتهم في قضاياها ، وتكليفهم بالتخطيط لرحلات أو نزهات أو ما شابهها ،

✓ أن نحث الأبناء على التسابق في الخيرات مقتدين بالهدي النبوي " لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله " كأن نقول سيعد لنزهتنا القادمة صاحب الأفكار الذكية ، وأن نحكي لهم عن المبادرين كعكاشة الذي سارع حين سمع وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بطلب دعاء النبي له أن يكون منهم ، والحباب بن المنذر الذي بادر بتقديم رأيه في منزل المسلمين ببدر ، ومن المبادرين في زمننا الحاضر من علماء ودعاة أن يرى أطفالنا نماذج من المبادرة في تصرفاتنا ، كالقيام بنشاط اجتماعي أو ثقافي للأقارب ، إماطة الأذى عن الطريق .

✓ تنمية الثقة بالنفس فمن مظاهر ضعف المبادرة التذرع بضعف الملكات وعدم القدرة على إنجاز الأعمال . ومن الأساليب المفيدة في تنمية ثقة الأبناء بأنفسهم :


o تشجيع المبادرات بإعطاء الصلاحيات ، والثناء عليها، وإبرازها لتكون سبباً في حث الآخرين على احتذائها. ومن المفيد تدريب الأبناء على تقديم حلول مفترضة لظروف متوقعة ، ماذا يمكن أن نفعل لو ؟ 

o التقليل من تقديم تفاصيل المهام المراد منهم إنجازها وخاصة كلما تقدم أبناؤنا في العمر وكلما ازدادت خبرتهم وذلك لنعطيهم مساحة للاجتهاد ونشعرهم بالثقة ، فقد نطلب أمرا " نود أن نجلس في الحديقة ونحتاج إلى تهيئة جلسة جميلة " من المعني بهذا الأمر ؟ ما مواصفات التجهيز المطلوب ؟ ... قد يتجاهل الأبناء الأمر وقد ينظر بعضهم إلى بعض إن لم يكن هذا الأسلوب معتادا في الأسرة ، وقد يتردد الابن ويخشى من عدم قبول ما يحسبه مناسبا من تجهيزات ، ولكن التشجيع في مثل هذه المواقف وتجنب النقد واللوم ينمي لدى الأبناء الثقة في النفس ويشجعهم على المبادرة.

o التخفيف من القلق على أبنائنا و من حمايتهم من تبعات الاجتهاد وما قد يجره عليهم من نقد ومتاعب ، فلا بد أن يخوض أبناؤنا التجارب ويتعلموا من المواقف.

إذن فعنصر المبادرة يتمثل في أشخاص يحملون زمام المبادرة بأنفسهم غير منتظرين أن يسلك الآخرون ليقتفوا أثرهم ، مستعدون لتحمل نتائج مبادراتهم أشخاص يستغلون الفرص ويسارعون إلى الخير ، هؤلاء الذين تنهض بهم الأمم ، والذين يجب أن نبذل الجهد كل الجهد لنقدم لامتنا نماذج منهم.



د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل    



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة