تعليم الطفل التعاطف

تعليم الطفل التعاطف
تاريخ النشر : 2024-06-24


مهارت تربوية

تعليم الطفل التعاطف


نزل عدد من الأطفال من السيارة وركضوا مسرعين إلى الأراجيح وركب كل منهم أرجوحة وبقوا فيها لا يبرحونها وإذا تعب أحدهم نادى على أخيه بأن يحل محله حتى لا يعطي الفرصة للأطفال الذين تجمعوا ليأخذوا حظهم من اللعب.

أوقف سيارته بسرعة أمام المحل المزدحم محتجزا سيارة كانت تقف أمام المحل ودخل في طابور طويل منتظرا دوره في الحصول شراء وجبة طعام وخرج بعدها فوجد صاحب السيارة متضايقا من تأخره فانتهره بدلا من الاعتذار إليه لأنه لم يصبر " فكلها دقائق معدودة " .

عندما كبر طفلي الأول وبدأت آخذه إلى المنتزهات والحدائق ليلعب ويلتقي بأتراب له يشاركونه اللعب ، فإذا به يلعب وحيدا في معظم الأحيان ؛ فكلما حاول أن يتقرب من أحد الأطفال ليلعب معه نظر إليه شزرا أو رفع يده مهددا أو مد لسانه مشاكسا ، كنت أعلمه المشاركة واللطف والسلام والتحية ولكن قلما كانت تسنح الفرصة لتطبيق ذلك، فحل التوجس من الناس محل الإقبال عليهم والرغبة في مشاركتهم ، ووجدت نفسي مضطرة لأخذ صديق أو قريب لطفلي كلما أردت أن أذهب به إلى حديقة أو ملاعب.

أين ذهب اللطف والتعاون أين ذهب الأدب والتراحم ، أين منا توجيهات ديننا الحنيف ونماذج تراثنا الزاخر ، ما العنصر المفقود في هذه المواقف ؟ إن أبطال هذه المواقف يفتقرون إلى الإحساس بالآخرين وحبهم والاهتمام بهم والذي يتمثل في التعاطف .

يؤكد الباحثون أن الإنسان يولد مزودا بالقدرة على التعاطف يبدو ذلك واضحا في تجربة محاكاة المولود لتعبيرات وجه والدته - فإذا فتحت فمها استجاب بفتح فمه وإذا أخرجت لسانها أخرج لسانه - حيث تمثل هذه المحاكاة بذورا للقدرة على التعاطف التي تعني: أن نتمكن من الإحساس بشعور الآخرين ورؤية الأمور بمنظورهم ومن ثم تفهم وجهة نظرهم. إذن فالقدرة على التعاطف موجودة بالفطرة وما علينا سوى رعايتها ، ويرى بعض العلماء أن على الوالدين البدء برعاية التعاطف من خلال ألعاب المحاكاة التي تمارس مع المواليد ثم تتطور هذه الألعاب إلى الإشارات ولعبة الاختباء والظهور ، وعندما ينمو الطفل يكون التحدث عن يومه والاستماع إلى تعبيراته وبذل الجهد في فهم مراده وإشعاره بالاهتمام من خلال إعادة بعض العبارات التي تلخص شعوره في الموقف مثل "يبدو أنك كنت محبطا بالفعل" "يبدو أنك استمتعت حقا" ، وتشجيعه على رؤية وجهات النظر الأخرى ، وسؤاله كيف كنت ستشعر لو كنت في مكان هذا الشخص ؟ ماذا كنت ستفعل ؟ ومن أبرز النصائح المفيدة في هذا الصدد:

  • مكافأة السلوكيات التعاطفية الأولى التي يظهرها الطفل الصغير فهي إشارات أولى رائعة للاهتمام بالآخرين ، عندما يتنازل لأخيه الأصغر عن لعبته المفضلة تأكد من أنه أدرك أنك تقدر هذا التصرف .

  • لا تتوقع التعاطف في كل مرة فالطفل لا يزال يتعلم عن المشاعر وعن التفاعل مع الآخرين (شجع التعاطف ولا تتوقع الكمال).

  • تقديم معلومات واضحة ومبسطة عن مشاعر الآخرين عندما يكونون في حالة حزن أو ألم "لقد شعر خالد بالحزن لأنك أطلقت عليه هذا الاسم" ، قدمها بطريقة جادة توضح طبيعة هذه الانفعالات وكيفية عملها . ويكون الأمر أكثر أهمية عندما يكون طفلك هو السبب في تلك المشاعر لدى الآخرين.

  • قراءة القصص للطفل في التعامل مع المواقف الانفعالية ثم محاورته في مضمون القصة، وسؤاله عن شعور الشخص في القصة .

  • إيجاد مواقف يعبر بها الطفل عن تقديره أو تعاطفه مع الآخرين فمثلا إذا كان أحد جيرانه أو أصدقائه مريضا ، نسأله كيف نشعره باهتمامنا ؟

  • إشراكه في أنشطة تطوعية ، و مساعدته على تقدير اللطف والتعاطف بكافة أشكاله .

  • القدوة الحسنة فالطفل يطبق ما يراه ماثلا أمامه من السلوكيات ويراك كيف تتعاملين في المواقف الانفعالية ، معه أو مع غيره ، تظهر الدراسات أن الأطفال الذين ينشؤون في أجواء متعاطفة يتمتعون بنمو انفعالي سليم .

ويعتبر كثير من الباحثين الرعاية الانفعالية أساسا لجميع أنواع التعلم وذلك لأن الانفعالات تحتل دورا  بارزا فيما نتذكره وننتبه إليه ونفكر فيه ونعبر عنه ، ويرون أن أفضل بيئة تعليمية لتحقيق النمو الانفعالي السليم هي البيت حيث يحس الطفل بأنه قادر على فعل الكثير عندما يكافأ بابتسامة على تصرفه الإيجابي ، وعندما يقابل استفهامه بالترحيب ، وبذلك يعتاد الطفل أن يضع نفسه مكان الآخرين ويدرك أنه ليس الشخص الوحيد في الموقف ويضع في اعتباره حاجات ورغبات الآخرين . وبذلك نعيد لمجتمعنا قيما أساسية حث عليها ديننا زخر بنماذجها تراثنا.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل  



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة