تنمية تناول الطعام الصحي

تنمية تناول الطعام الصحي
تاريخ النشر : 2024-06-25


تنمية السلوك الصحي في الغذاء


التوازن في تناول العناصر الغذائية... اختيار الأبناء للأصناف والكميات المناسبة لنموهم، والاعتدال في تناول الحلوى ... من منا لا يعد هذا واحدا من هواجسه التربوية ؟ما يدور حوله هذا المقال هو عرض عوامل وأساليب تكوين السلوك صحي لدى الأبناء.

من الملاحظ أن جهود كثير من المربين تتركز على الهدف اليومي القريب من حصول الطفل على وجبة متكاملة تتضمن العناصر الغذائية الأساسية، والحقيقة أن استدامة التغذية الصحية هي الهدف الأهم الذي لابد من التركيز عليه، وذلك من خلال الاهتمام بتدريب الأبناء على تحمل المسؤولية تجاه ما يتناولونه من طعام. ويمكن القول بأن التغذية الصحية للأطفال لا بد أن ينظر إليها من منظورين؛ الأول: التغذية الحالية، والثاني: التوجه الصحي المستقبلي. فإذا اقتصر التركيز على التغذية الحالية دون النظر إلى الآثار المستقبلية فمن الممكن أن نقع في أخطاء تعيق ما نطمح إليه من تكوين عادات صحية مستدامة، ومن أهم القواعد في الموضوع هي أن الطفل الذي يجبر على طعام معين في الصغر لن يتناوله – في الغالب - حين يكون الأمر بالنسبة له اختياريا في المستقبل. وتقسم إيلين ساتر المسؤولية عن التغذية بين الأبناء والآباء على النحو التالي: مسؤولية الآباء تتركز في "متى" و "ماذا" يأكل الأبناء ، ومسؤولية الأبناء تكون في تحديد المقدار "الكم" الذي يريد أن يتناوله الابن من الطعام، وتبدأ المشكلة عندما يتعدى أحد الطرفين حدود مسؤوليته ليتحكم في مسؤولية الآخر. قد يبدو الأمر صعبا أن ترى ابنك يرفض تناول الطعام الصحي وتميل إلى إجباره أو ترى أن كمية الطعام التي يتناولها غير كافية وتصر على أن يأكل المزيد، كل هذه الممارسات التي تتكرر في حياتنا اليومية لا تخدم مصلحة التغذية على المدى البعيد. فالإجبار على كمية معينة من الطعام يؤدي إلى إضعاف قدرة الطفل على ضبط كمية الطعام التي يأكلها فقد اعتاد أن يأكل أراد أو لم يرد، وإجبار الطفل على تناول نوعية معينة من الطعام لن يجعله يحبه بل قد يؤدي إلى رفضه والنفور منه كما أشرنا سابقا.

لسنا بحاجة إلى تحويل موائدنا إلى ساحات قتال لتحقيق التغذية السليمة لأبنائنا، يمكن بشئ من التخطيط والصبر أن نحقق ما نريد بسلام، وأن نحافظ على أوقات طعام ممتعة، فمن أجمل متع الدنيا الطعام، وتعد اجتماعات المائدة من أبرز فرص التقريب والوئام داخل الأسرة وهي الأهم في تأسيس الوعي الغذائي بصورة عملية .

لا بد أن نتهيأ تربويا للتعامل مع قضايا التغذية بشكل سليم فالأخطاء التي ترتكب تكون عواقبها وخيمة فوراء كل شخص يكره الخضار أو يتناول الأغذية بكميات أو طريقة غير مناسبة عادة سيئة اكتسبها وغالبا ما تكون داخل الأسرة .. ومن أبرز الأساليب الخاطئة القدوة السيئة وخاصة من الأبوين، أو التشدد في استبعاد الأصناف الأقل فائدة كالخبز الأبيض أو الإجبار على تناول كميات أو أصناف معينة، أو الحرمان من أطعمة معينة كالحلويات أو البطاطس، أو التعليقات والتوجيهات الصارمة أو الساخرة حول سلوكيات الأبناء الغذائية.

ومن أكثر العوامل تأثيرا في تقبل الطعام أو رفضه:

  • الطعم.

  • الشكل.

  • طريقة التقديم.

  • حالة الشخص الصحية والنفسية.

  • التصور الذهني عن نوع معين من الأطعمة.

  • العادة والتقليد.

ومن العوامل المؤثرة في السلوك الغذائي للأبناء الإعلام، فالإعلانات الغذائية وبرامج الأطفال تسهم في تكوين الاتجاه الغذائي ..."لا أحب الخضار .. لا أحب الخضار ، أحب الكعك بالشكلاته". 

كانت هذه كلمات نشيد في إحدى قنوات الأطفال، وعلى الرغم من أن هذا النشيد كان مقدمة لمشهد تُقدِّ م فيه الأم الخضار لابنتها وأن الابنة يعجبها الخضار بعد ذلك وتطلب المزيد منه إلا أن مقطع النشيد بقي في أذهان الأطفال أكثر من مشهد تقبل الخضار وظلوا يرددونه، الأمر الذي كان له أثرا سلبيا في دعم فكرة النفور من الخضار. والسر في ذلك أن نشيد المقدمة حصل على نوعين من التدعيم؛ الأول: أنه جاء في البداية والذهن خالٍ، والثاني: أنه تضمن نغما مما يجعله يبقى في أذهان الأطفال بدرجة أكبر من المقطع الثاني الذي يحاول تعديل الفكرة. ينبغي التنبه إلى العامل النفسي في التوجه الصحي فالقضية في أن رفض بعض الأطعمة لا يعتمد على الطعم بل إن الرفض يأتي قبل معرفة الطعم أصلا.

من المهم أن ندرك أن التوجه الصحي لا يعني أن الأبناء سيأكلون كل ما هو مفيد. ولكن بالاستمرار في تقديم المعلومات الغذائية، وتنوع الوجبات وتعزيز الممارسات الصحية في تناول الغذاء تبدأ محاولات تجربة الطعام التي قد تأخذ وقتا أطول لدى بعض الأطفال . فهناك فروق فردية تعود إلى شخصية كل فرد، فمن الأطفال من هو سهل في تقبل الجديد ويحب التجريب ومنهم من يرفض كل جديد ولا يستجيب لتجربة الأصناف الجديدة، وهناك من لديه شهية ضعيفة.

يمر الأبناء بمراحل نمو تؤثر في سلوكهم الغذائي من حيث الكمية التي يتناولونها ونوعية الأطعمة التي يفضلونها؛ ففي الشهر الرابع مع بداية تقديم الطعام للطفل تكون الفرصة سانحة لبدء تقديم أطعمة ونكهات جديدة كل يومين أو ثلاثة بعد التحقق من عدم وجود حساسية لدى الطفل، وينبغي أن تكون الأطعمة طازجة فالأطعمة المعلبة تحتوي على محسنات وسكريات حين يعتادها الطفل قد يرفض الوجبات الطازجة، وعلى المربين أن لا يعتمدوا على ذائقتهم الخاصة في تقديم الأشياء التي يحبونها فقط وترك المجال للطفل لينمي ذائقته الخاصة.

وفي السنة الأولى ينمو الطفل بسرعة ويحتاج إلى كمية من الطعام أكثر مما يحتاجها في سنته الثانية حيث يتباطؤ النمو وهو مالا تدركه بعض الأمهات فتقلق من تراجع كمية الطعام وتصر على أن يأكل الطفل الكمية نفسها .ومن تغيرات النمو في الطفولة المبكرة رفض الطفل لأطعمة كان يقبلها سابقا، ويظهر الأطفال اهتماما بالمعلومات المتعلقة بالأطعمة ويسعدون بالمشاركة في إعدادها مما يجعل هذه السن مناسبة لتكوين وعي غذائي وتكوين عادات غذائية سليمة.

وفي الطفولة المتأخرة سن المدرسة الابتدائية تطرأ تغيرات على شهية الطفل للطعام .. ويطلق بعض علماء النفس على هذه المرحلة "سن الشراهة" مما يؤدي إلى ظهور السمنة بين الأطفال وخاصة الذين يكثرون الجلوس إلى الشاشات ويكون نشاطهم قليل، ويكون من المهم في هذه السن توفير ما يكمل به الطفل حاجته المتزايدة من أصناف الأطعمة الصحية، وكذلك الحال في المراهقة التي تتميز بالنمو السريع والحاجة إلى الغذاء المتوازن ، وللتعامل مع هذه الاحتياجات المتغيرة في النمو والاهتمام بالهدف البعيد في تكوين التوجه الصحي لدى الأبناء هناك عدد من الأساليب التي من شأنها أن تحقق الهدف، يمكن إجمالها فيما يلي :

  • التدريب على الآداب الإسلامية في تجويد مضغ الطعام وتصغير اللقم ، وتقليل الكمية "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".

  • اجتماع العائلة على المائدة أثناء الوجبات فبالإضافة إلى أثر ذلك على الترابط العائلي يعد أيضا فرصة لتأسيس الوعي الغذائي وتقديم نموذج وقدوة للأبناء، ويجب أن يتنبه الآباء إلى أن ردود الأفعال والسلوكيات التي يراها الأبناء تؤثر في سلوكهم أكثر من التعليمات المجردة وصدق القائل " أبناؤنا يربوننا قبل أن نربيهم ".

  • تجنب التحدث على مسمع من الطفل بأنه لا يحب كذا وكذا من الأطعمة لترك الفرصة للتغيير، فمن شأن التحدث بموقفه الرافض لبعض الأطعمة أن يثبت هذا الرفض.

  • عدم التعجل في الحكم على الطفل بأنه لا يحب هذا الصنف أو ذاك لمجرد أنه رفض تناوله من قبل مرة أو اثنين بل لابد من تكرار المحاولة مرة بعد مرة سنة بعد أخرى فقد يتطلب تقبل نوع من الطعام من 12 - 15 مرة لتقبله في النهاية ، ضعي بعضا من الطعام في صحنه مرة بعد مرة ليعتاد على رؤيته ورائحته إلى أن يفكر بتجربته، فالتجارب تثبت أن كثير من حالات رفض صنف معين تنتهي بهذه الطريقة، كما أن تنوع وصفة الطعام عامل مهم أيضا فقد يرفض الطفل السبانخ كفطائر وعندها يجب أن لا نتسرع في الحكم عليه بأنه لا يحب السبانخ بل نعرضها في أطباق أخرى يحبها وبكميات قليلة ، إن استبعاد صنف معين من قائمة أطعمة الطفل لمجرد أنه رفض تناوله مرة أو مرات كثيرا مايؤدي إن استبعاد هذا الطعام بشكل نهائي.

  • لا ينبغي تجهيز وجبات خاصة حسب مواصفات الأبناء الذين لا يحبون هذا الصنف أو ذاك من الطعام ، كما لا ينبغي استبعاد الوجبات التي يحبها الأطفال مما نعتبره قليل الفائدة فيمكن أن نقدم وجبة عشاء تتضمن نوعين من البيتزا؛ إحداهما بالجبن وتكون صغيرة الحجم لا تتجاوز حصته منها قطعة صغيرة وأخرى كبيرة بالخضار مع وجود خيارات جانبية كالخبز والفاكهة، فإذا أراد المزيد من البيتزا فما عليه إلا أن يأكلها بالخضار دون إخراج مكوناتها، وحين يفعل الطفل ذلك لا بد من تجنب إظهار الفرح والدهشة اجعلي الأمر عاديا.

  • الحد من تناول الوجبات الخفيفة وذلك أنها تجعل الطفل يجلس إلى المائدة وهو غير جائع وعندها يكون انتقائيا بشكل أكبر أو رافضا لأنواع الطعام ، ويعد جلوس الطفل إلى المائدة وهو جائع عنصرا مهما في إقباله على الطعام واستعداده لتذوق الأصناف الموجودة .

  • تحديد القدر المناسب من الكعك والبسكويت والحلوى التي يتناولها الأطفال وفق الحصص الموضحة على العبوات فإذا أراد الطفل تناول أكثر من الحصة الموضحة نعرض عليه أن يكمل بشيء من الفاكهة أو الخضر الطازجة ، ومن الخطأ أن توضع كامل العبوة تحت تصرف الطفل. حتى الأطعمة المفيدة التي يتناولها الأطفال يجب أن تخضع للحصص اليومية المنصوص عليها كحاجة للنمو وفق المرحلة العمرية والجنس ، فهناك من الأطفال من يطلب كوب عصير ثم يصب كوبا آخر وربما ثالثا لا بد أن يفهم الطفل أن الأول يسد حاجة النمو وأن ما بعده ليس مفيدا بل مضرا له . لا بد من تأسيس وعي غذائي لدى الأبناء .

  • وضع قاعدة للمائدة "تذوق قبل أن ترفض" لا بد من تذوق الوجبة وذلك بأخذ 2 - 3 من اللقم قبل أن يقرر الابن الرفض، وقد تبين أن هذه الطريقة فعالة فكثيرا ما يرفض الابن الطعام بناء على تصور سابق ولا سبيل إلى تعديل ذلك إلا بالتذوق. ولكن لا بد من التأكيد على تجنب النبرات الإجبارية الحادة، واستخدام التشجيع والتعزيز.

  • الاستفادة من طرق التقديم في تشجيع الأبناء على تقبل الأطعمة: تقديم الخضار الطازج مقطع بطريقة جذابة، تقديم أنواع من متبلات السلطة ليقوم الأطفال بغمس الخضار فهي عملية محببة بالنسبة لهم.

  • تمثل الأدب النبوي "ماعاب رسول الله طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه" وذلك بتوجيه الأبناء إلى ضبط التعبيرات عن رفض صنف معين من الطعام، لتأثيره في نشر عدوى الرفض والنفور وخاصة بالنسبة للأفراد الأصغر سنا في الأسرة.

من المهم نقل المسؤولية عن التغذية من الآباء إلى الأبناء أنفسهم من خلال تقديم المعلومات الصحية عن الأطعمة ودورها في النمو السليم، ومن خلال توفير الفرص لتجربة أطعمة مختلفة ومتنوعة، وذلك أن التغذية السليمة عامل مؤثر في سعادة الإنسان ونجاحه لما تلعبه من دور في مناعته وحيويته وصحته.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

                                                مستشارة الأسرة والطفل 



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة