تعليم الطفل الحلم

تعليم الطفل الحلم
تاريخ النشر : 2024-06-24


تعليم الطفل الحلم


قال أحد الكتاب المبتدئين لصاحبه المخضرم : كيف تتعامل مع الردود السلبية على مقالاتك التي أرى أنها قاسية ومؤل مة ولا أظن أن باستطاعتي تحملها . رد الكاتب : إن أول ما أفعله هو أن لا أدعها تزعجني ، لم يكن ذلك سهلا في البداية عقد استغرق مني وقتا ليس بالقصير دافعت فيه رغبتي الفطرة على حماية ذاتي والرد على محاولات النيل منها، فالمثبطون والعدوانيون موجودون دائما وفي كل مكان لابد من توطين النفس على الاحتفاظ بثباتها وانطلاقها واستخلاص ما ينفعها .

نتعرض ويتعرض أطفالنا في الحياة اليومية في البيت والمدرسة وفي الحياة الاجتماعية إلى مواقف من النقد أو الظلم أو العنوان ، وكثيرا ما يعود طفلك من المدرسة محبطا حزينا يشكو من زيد أو عبيد ممن يؤذونه بالألفاظ أو التصرفات ؛ ولما كانت هذه من سنن الحياة و مقتضيات التعامل مع الناس بمختلف خصائصهم فمن الضروري أن نتحلى بالحلم .

قد يظن بعض الناس أن الحلم أن لا تغضب ولأن كان هذا هو الحلم فعلا فإنها صفة نادرة في البشر يتعذر على معظمهم تعلمها ، إن الله تعالى قد امتدح المؤمنين وذكر من صفاتهم "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" لم يقل لنا إنهم لا يغتاظون ولكنه قال إنهم يكظمون الغيظ ، وبإمكان أي إنسان أن يفعل فعلهم إن جاهد نفسه وطلب العون من ربه.

الحلم قوة نفسية تجعل صاحبها ممسكا بزمام التحكم عندما تتعرض ذاته لما يثيرها من الأذى فلا تحيد ولا تخرج عن إطارها ومبادئها ، وهو مزيج من ضبط النفس ومن التسامح.

ولعل أفضل ما نهديه لأبنائنا هو تدريبهم على هذه الصفة التي يحبها الله ورسوله والتي هي أساس في سعادة الإنسان وصحته النفسية . ومن الأمور المعينة على تحقيق ذلك :

✓ أن نحكي باستمرار لأطفالنا قصص من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان رغم قوته ومكانته أحلم الناس ، وسير النماذج التاريخية التي يزخر بها تراثنا الإسلامي ، كما أن الطفل يتأثر بالقصص والمواقف الواقعية التي يمر بها الأبوين أو غيرهم من الأقرباء والتي تمثل صفة الحلم .

✓ أن نعمل على تصحيح فكرة أن عدم الرد بالمثل على المعتدي يعد ضعفا وجبنا بشرح قوله ليس القوي بالصرعة ولكن القوي من يملك نفسه عند الغضب"، ومن طريف ما مر بي من مواقف حول فكرة الأطفال ومفهومهم عن القوة أنني كنت ألعب يوما مع ابني فتناول اثنتين من الدمى التي تمثل شخصيات لمحاربين وقال لي أنت شخصية الطيب وأنا شخصية الشرير قلت: ولماذا لا يكون كلانا طيب ونكون أصدقاء ؟ قال: لا لن يصلح هذا فأنا أحب دور القوي والشرير هو القوي. أطفالنا يرون القوة في العنوان وهي الفكرة التي تدندن حولها أفلام الكرتون، ولا بد أن نصحح المفاهيم.

✓ أن نربي أنفسنا أولا على الحلم حتى يتعلمه أبناؤنا ، فإذا كنا نثور ونغضب عندما يتخطانا أحد في الطابور وعندما يتعدانا أحد في المرور وعندما يخطئ شخص في حقنا ولا نحاول أن نضبط أنفسنا ونكظم غيظنا ونبين حقنا دون ثورة فالمتوقع أن هذا ما سيتعلمه أبناؤنا مهما حاولنا أن نعلمهم خلاف ذلك.

✓ أن نعود أنفسنا وأبنائنا على دوام الدعاء للناس بالخير فإذا أساء إلينا أبناء الجيران دعونا الله بخشوع أن يهديهم وأن يجعلهم ميسرين للخير ، وإن رأينا شابا طائشا يقود سيارته بجنون ندعو له بإخلاص أن يهديه الله وأن يجعله قرة عين والديه ، فمن يحمل هذه المشاعر للناس يسهل عليه أن يعفو عنهم .

✓ عندما يأتي طفلك ليقول إن زميلا له لا يكف عن تحقيره والتقليل من شأنه ، فمن المفيد أن نوضح له ما يأتي :

  • أن من حقك أن تغتاظ فالآية الكريمة لم تقل لنا أنهم لا يغتاظون ولكنهم يتصرفون بذكاء ، يكظمون الغيظ ولا يكتفون بذلك بل يتناسون الإساءة حتى تمحى من نفوسهم فتبقى صافية سليمة ، وبذلك يكون الابن قد فهم معنى الحلم وهي خطوة مهمة لتعلم هذه الصفة .

  • أن الشخص عندما يؤذي الآخرين فإنه يفعل ذلك لأنه نشأ بطريقة غير سوية ، أو بسبب اضطراب أو مشكلة تتعلق به لا بالطرف الآخر ، فقد يكون محبطا أو مصابا بالملل ويريد أن يجد ما يسليه في إيذاء غيره ، أو قد يكون نشأ على ذلك ولو لم تكن أمامه في ذلك الوقت لكان قد توجه بالإساءة إلى غيرك.

  • أن الرد على مثل هذا الشخص كثيرا ما يأتي بدافع إثبات خطئه ، فإذا كان زميلك يقول لك أنت ضعيف "أنت نونو" فهل أنت بحاجة إلى إثبات أنه مخطيء إنك بردك عليه تعطيه أهمية لا يستحقها.

  • أن تكرار الحكاية وترديد كلمات الغضب يزيد الغضب اتقادا (فمن المهم أن يحكي الطفل وأن نسمعه ولابد أن ننصت متعاطفين ، وأن نجعله يتصور الهدف الذي يرمي إليه الشخص المعتدي ، ولكن ينبغي التنبه إلى أن تكرار ألفاظ الكره والغضب يتعارض مع كظم الغيظ ويعوق العفو وعلينا أن لا ندع المجال مفتوحا فبمجرد أن يتم توضيح الموقف نحاول تحويل دفة الحديث ) .

إن المشاعر السلبية تتعدى الموقف الذي حدثت فيه لتنتشر في كيان الشخص فتعكر مزاجه وتؤثر على تصرفه في المواقف الأخرى ، وتضر بصحته النفسية والجسمية ، فما أجدرنا أن ندرب أنفسنا وأطفالنا على تحجيم أثر تلك المشاعر في أنفسنا والتحلي بصفة الحلم .


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل  



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة